مقدمة
مما لاشك فيه أن مشكل التلوث، وضرورة الحفاظ على البيئة
من القضايا الشائكة التي باتت تؤرق شعوب دول الشمال مع إطلالة القرن الواحد
والعشرين. وقد ترجمت هذه الشعوب وعيها هذا إلى ممارسة فعلية نتج عنها ظهور
منظمات وأحزاب (البئتين/الخضر)، باتت تمارس على حكومات دولها ضغوطا كبيرة قصد
اتخاذ الاجراءات الكفيلة بحمايبة بيئتها، وبالتالي حماية إنسانها وضمان استمراريته
وسلامته. ومن المعلوم كذلك أن الوعي البيئي، والاحساس باخطار التلوث، لايزال في
بداياته المتعثرة بدول الجنوب التي من ضمنها المغرب. وهي وضعية ترتبط بأوضاع هذه
البلدان ومشاكلها السياسية، الاقتصادية، والثقافية.
ومساهمة في تعميق النقاش حول المشكل البيئي في المغرب
عامة، والبيئة الحضرية على وجه الخصوص، نطرح هذه المساهمة المتواضعة، على أمل أن
تجد لها صدى لدى المهتمين من أجل فتح نقاش أكثر عمقا حول هذا الموضوع الشائك، بهدف
الانتباه إليه وتعميق الوعي به. وسنحاول في عجالة ابراز أهم عوامل تلوث البيئة
الحضرية بالمغرب والدور الذي يمكن أن تلعبه البلديات في حماية هذه البيئة، ومن
خلالها حماية الإنسان المغربي.
مفهوم
البيئة والبيئة الحضرية :
1-مفهوم البيئة :
يمكن تعريف البيئة على أنها عبارة عن نسيج من التفاعلات المختلفة بين
الكائنات العضوية الحية بعضها البعض (إنساء، حيوان، نبات ...)، وبينها وبين
العناصر الطبيعية غير الحية(الهواء، الحرارة، الضوء ...) ويتم هذا التفاعل وفق
نظام دقيق، متوازن ومتكامل يعبر عنه بالنظام البيئي أو المنظومة البيئية.
والإنسان جزء لا يتجزأ من هذه البيئة أو المنظومة البيئية، لكن الميزة التي تميزه
عن باقي عناصرها ومكوناتها أنه يعي دور الفاعل فيها، هذا الدور الذي يتوضح من خلال
ممارسته اليومية لمظاهر حياته, وبفعل قدراته العقلية الجبارة، اصبح الإنسان عنصرا
مهيمنا على البيئة المحيطة به, وساعده في ذلك تزايده السريع وتطوره العلمي
والتكنولوجي, وسعيه الحثيث لتلبية حاجاته عن طريق الزيادة في الانتاج الزراعي,
وتطوير الانتاج الصناعي وانشاء وتوسيع المدن ومد الطرق...... الشيء الذي تمخض عنه
ضغط هائل على كثير من الموارد الطبيعية, وخلف آثارا واضحة على كثير من المنظومات
البيئية .
2-البيئة الحضرية:
أما البيئة الحضرية فيصعب إيجاد تعريف شامل ومتفق عليه
بالنسبة لها.... وهذا يرجع إلى عدة عوامل منها مثلا:
صعوبة تقديم تعريف دقيق للمدينة في حد ذاتها، واختلاف
هذه التعاريف من تخصص علمي إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، فالمدينة ظاهرة معقدة
ومتطورة، ومتغيرة في الزمان والمكان تتميز بتنوع أنشطة سكانها، واختلاف مناظرها
المورفولوجية، وتباين كبير في شرائح وأعداد سكانها، وفئاتهم المهنجتماعية (عمال،
حرفيين، موظفين، أصحاب المهن الحرة، رجال الأعمال ...) ومن تم تتعدد المعايير
المعتمدة في تعريف المدينة: نوعية النشاط،عدد السكان، المنظر المورفولوجي...
إن هذه الصعوبة، تجعل بعض الدول تعتمد المعيار الإداري
لتحديد المدينة، والمغرب من ضمن هذه الدول. يعني المعيار الإداري: إصدار قرار إداري
يضفي صبغة المدينة على تجمع سكاني معين إذا ما توفرت فيه شروط معينة. وهنا لابد من
إبداء ملاحظة أساسية، وهي : أن حديثنا عن البيئة الحضرية في المغرب سيجعلنا نلامس
موضوعا شديد التنوع والاختلاف. فالحديث عن المدينة المغربية يعني حديثا عن
البيضاء، فاس، مراكش، اكادير، وفي الوقت ذاته يعني حديثا عن مدن متوسطة كتارودانت،
ورزازات، العرائش ... كذا عن مدن صغيرة كأولوز، أولاد برحيل، أيت إعزة .... ورغم
شساعة الإختلاف الموجود بين هذه المدن لا من حيث عدد السكان، نوع الفئات
المهنجتماعية، المنظر المورفولوجي، حجم العمران ...
وبطبيعة الحال وجود هذه الاختلافات سيجعل ما نسميه الحضرية بالبيئة الحضرية يتميز
بدوره بالاختلاف الكبير... لكن يمكن أن نجد بعض العناصر الموحدة لهذه الكيانات
المختلفة عبر إبداء بعض الملاحظات:
·
أن البيئة الحضرية هي من صنع
الإنسان فهي إذن نتاج تأثير الإنسان في بيئته الطبيعية.
·
أن وعي الإنسان بهذا الفعل وبتأثيره
جعله يسعى إلى تنظيمه وإعادة خلق نوع من التوازن بين عناصره ومن تم ظهرت الخطط
(خطط المدن) كما ظهرت مستويات من التصاميم المديرية ... والتي يبقى الهدف من
ورائها : المحافظة على التوازن بين مختلف عناصر المجال الحضري، الطبيعية منها
والمصطنعة (أي تلك التي هي من فعل الإنسان) من أجل خلق بيئة ملائمة لحياة هذا
الإنسان. وضمان إستمراريته وسلامة صحته.
مفهوم التلوث ومستوياته
يقصد بتلوث البيئة جميع التغيرات السلبية التي تطرأ على البيئة، (فيزيائيا،
كيماويا، وبيولوجيا) سواء في الجو أو الأرض أو المياه، لأننا إذا نظرنا إلى مشكل
التلوث بصفة عامة يمكن أن نقسمه إلى ثلاث مستويات أو ثلاثة مظاهر لتلوث البيئة :
1-الاختلال في تركيب الجو عن طريق تضخيم نسب بعض الغازات، والغبار،والدخان،
والبخار، والمواد المشعة في الجو
2-الاختلال البيئي في الأرض بسبب الفضلات الصناعية، وإلقاء النفايات المختلفة،
وفرط الاستغلال الفلاحي، وتدمير الغطاء الأخضر، وكثرة استعمال المواد
الكيماوية.
3-الاختلال في تركيب المياه بفعل الإلقاءات الصناعية، ورمي النفايات، والمياه
المبتذلة (الصرف الصحي)...
وقد اتسع مفهوم التلوث حاليا ليشمل كل ما يخل بصحة الكائنات الحية من إنسان وحيوان
ونبات، أو يقلق راحة الإنسان مثل الضوضاء والروائح الكريهة.....
ولابد هنا من الإشارة إلى بعض الملاحظات بصدد هذا التلوث:
1-إن التأثير السلبي لتلوث البيئة يمكن أن يظهر الآن، ويحتمل أن يظهر في المستقبل
على حياة الإنسان والنبات والحيوان ومختلف المصادر الطبيعية، وبالنسبة لإنسان فقد
يتأثر به مباشرة عن طريق ظهور أمراض خطيرة ناتجة عن اختلال توازنات مختلف عناصر
البيئة، ويمكن أن يؤثر هذا التلوث على جيناته وعناصره الوراثية مما يجعله ينقل
آثاره السلبية للأجيال القادمة ....
2-إن مشكلة التلوث تختلف حسب مميزات كل جهة أو إقليم أو مدينة ... لذلك فإن ظاهرة
الإخلال بالتوازن البيئي قد تبدو مختلفة باختلاف المناطق مع اختلاف مجالات ودرجات
بروزها.
3-إن أثر عوامل التلوث يختلف حسب هذه العوامل فهناك ظواهر التلوث التي تترك أثرا
نافذا في الطبيعة لا رجعة فيه، تقابلها تلك التي يمكن إصلاح تأثيراتها السلبية.
عوامل تلوث البيئة الحضرية
يرتبط تلوث البيئة الحضرية بمستوى التطور الحضاري
للإنسان، كما يختلف مستواه ومظاهره بنوع ومدى تطور الأنشطة الاقتصادية التي
يمارسها سكان المدن، وبوثيرة نمو العمران ومدى خضوعه للضوابط القانونية، وبمستوى
النمو الديموغرافي بهذه المدن، كما أن له ارتباط بعوامل أخرى متعددة نذكر منها على
سبيل المثال : مدى وعي الجهات المسؤولة من سلطات وهيئات منتخبة، ومصالح تقنية
ومؤسسات إنتاجية ... بمشاكل التلوث، ومدى نجاعة الوسائل المستعملة للحد من
آثاره، وكذا بمستوى وعي الساكنة بأهمية البيئة وضرورة العمل على الحد من تلوثها.
1-التصنيع :ويعتبر
التصنيع أهم العوامل الملوثة للبيئة، ذلك أن أثره يلحق كل مستويات البيئة فهو يلوث
الأرض : بإلقاء النفايات الصلبة،والمياه : بالنفايات السائلة،والجو : بما يفرزه من
غازات وغبار ....
ويعتبر الشريط الممتد بين القنيطرة وأكادير من أكثر المناطق تلوثا بالمغرب وذلك
لتركز أهم المؤسسات الصناعية به، فإلقاءات القطاع الصناعي بهذا الشريط تقلق
المهتمين البيئيين بالمغرب كثيرا، لأنها تؤثر على عدد من الأنهار كسبو، أبي رقراق
وأم الربيع .... مع العلم أن مياه هذه الأنهار تشكل مصدرا للمياه الشروب في عدد
كبير من المدن المجاورة.
كما أن هذا التأثير يلحق إضافة إلى الجو والبر، يلحق كذلك البحر ... وتعتبر محور
المحمدية البيضاء أخطر منطقة في الشريط المذكور، حسب تصريح : الجمعية المغربية
للبيئة والتنمية ولكن مع ذلك يصعب تحديد مبلغ آثار الصناعة على البيئة في هذه
المنطقة، ويصعب كذلك وقف هذا التأثير أو التنبؤ بعواقبه لأسباب أهمها :
غياب الدراسات العلمية الضرورية في هذا المجال.
وجود فراغ قانوني لا يساعد على ضبط وثيرة تطور هذه
المؤسسات، وتحديد عتبات التلوث التي لا يجوز للمعامل أن تتجاوزها ....
2-النفايات الصلبة :تشكل النفايات
الصلبة الناتجة عن المخلفات المتبقية من استهلاك السلع بمختلف أنواعها: العلب
المعدنية، البلاستيك، الورق، الأثواب، بقايا الطعام، عوادم السيارات القديمة ...
إحدى أهم المعضلات التي تواجه البلديات على الصعيد الوطني والعالمي. وذلك لضخامة
حجمها، من جهة، وصعوبة التخلص منها، من جهة ثانية. لقد تبين من خلال دراسة أجرتها
بلدية المحمدية بمساعدة المجمع ميد إيربس المتوسطي (MED-URBS) أن معدل النفايات المنزلية للفرد
بالمغرب تتراوح بين 250 و 300 كلغ سنويا., وإذا طبقنا هذا المعدل على مدينة صغيرة
من حجم تارودانت، فان حجم هذه النفايات سيتراوح ما بين : 15.000 و 18.000 طن
سنويا. وإذا ما أضفنا لها إلقاءات بعض الوحدات الإنتاجية الحرفية، أو بعض المرافق
العمومية : دار الدباغة، المجزرة..... فإن هذا الرقم سيتضاعف لا محالة وإضافة إلى
بشاعة المنظر فإن هذه النفايات تؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة الناتجة عن
التعفن، والتي تترتب عنها أمراض مختلفة
3-الصرف الصحي (الواد الحار) :يقصد
بمياه الصرف الصحي جميع المياه المستعملة في المنازل إضافة إلى تلك التي تصرفها
بعض المرافق العمومية كالمجازر والحمامات ....فضلا عن النفايات العضوية التي تلقي
بها بعض الوحدات الإنتاجية كمصانع الورق والمواد الغذائية، ودور الدباغة ...
ونظرا لاتساخ وعفونة هذه المياه فإنها قد تؤدي إلى انتشار أمراض الجلد والتهاب
الكبد، والكوليرا وحمى التيفويد .. ومن عواقب هذه الوضعية في المغرب أن الدوائر الصحية
تسجل سنويا حوالي 100 ألف إصابة بالتيفويد.
ومعلوم أن الإنسان
ابتدع شبكة الوادي الحار بهدف التخلص من هذه المياه المبتذلة لكن في غالب الاحيان
نجد هذه الشبكات تعاني من مشاكل واختناقات تؤدي إما إلى تسرب هذه المياه تحت
الأحياء السكنية، أو إلى فيضانها، وتلويثها للأزقة والشوارع. فضلا عن خطر تسربها
نحو الفرشاة المائية الباطنية. وأغلب هذه المشاكل ناتجة عن :
أ-قدم هذه الشبكات
وتلاشيها.
ب-انعدام الدراسات
اللازمة أثناء وضع هذه الشبكات، مما يجعلها تعاني مشاكل تقنية، إما على مستوى الانحدار،
أو سعة التصريف، ذلك أن الشبكات الموضوعة بدون دراسة تقنية وعمرانية، لا يمكنها
بأي حال أن تساير النمو الديموغرافي والعمراني السريع للمدن المغربية.
ج-غياب الصيانة
الضرورية وبالطرق السليمة
د-ضعف مراقبة
الأقسام التقنية البلدية، وترك حرية الربط بهذه الشبكات للمواطنين بدون مراعاة
المعاير التقنية اللازمة. وغالبا ما يعاد استغلال هذه المياه –في المدن الداخلية
كتارودانت مثلا- عند نهاية الشبكة، لأغراض زراعية؛ بدون معالجتها، أو تصفيتها وهذه
أم المخاطر بالنسبة لتأثير مياه الصرف الصحي على حياة الإنسان.
4-البناء العشوائي واختلال
التوازن البيئي:
للحفاظ على التوازن داخل المجالات الحضرية بين البنايات المختلفة ...
والمساحات الخضراء، ولضمان التهوية والإنارة الطبيعية الكافية وتوفر الشروط الصحية
في السكن... وضع الإنسان تصاميم مختلفة لتنظيم العلاقات بين مختلف مكونات هذا
المجال وضمان توازنها. وهذه التصاميم تتنوع حسب وظيفتها والحاجة إليها : فهناك
التصاميم المديرية ... وتصاميم التهيئة وتصاميم التنطيق... وتصاميم البنايات ...
يهتم بعضها باستشراف آفاق توسع المدن وحاجيتها المستقبلية من الأحياء
السكنية والأحياء الوظيفية الأخرى (صناعية، تجارية، إدارية، سياحية ...) والمرافق
العمومية والترفيهية، والمساحات الخضراء.
ويهتم البعض الآخر بتنظيم و هيكلة ما هو قائم بهدف الحفاظ على التوازن بين
عناصر المجال.
ويدقق البعض الآخر منها نوع البنايات وعلوها ومساحة مجالاتها الخضراء وسعة
طرقها...
إلا ان من بين المعضلات الاساسية التي تعاني منها المدن المغربية حاليا،
تنامي البناء العشوائي بشكل سريع. وهو ما استدعى إعادة النظر في قوانين التعمير
بالمغرب بإصدار قانون جديد منذ سنة 1992، كما أصدرت وزارة الدولة في الداخلية
مذكرة خاصة تشرح فيها المساطر المتبعة في تطبيق القوانين الجديدة. وتبين كيفية زجر
المخالفات في مجال التعمير وفق هذه القوانين، وهي مؤرخة بــ: 30 مارس 1994.
يعود تنامي البناء العشوائي في المدن المغربية إلى أسباب عديدة أهمها :
الضغط السكاني على المدن، افتقار هذه المدن الى التصاميم الضرورية كتصاميم التهيئة
مثلا، ضعف مراقبة البلديات لقطاع التعمير على مستوى احترام التصاميم، التراخي في
زجر المخالفات، انتشار المضاربات العقارية ... وهي ظواهر جد خطيرة تاثر أثرا
بالغا على البيئات الحضرية وتساهم في تلويثها على مستويات عديدة أهمها :
أ-اختلال التوازن بين المساحات المبنية والمساحات الخضراء.
ب-تدمير الحزام الأخضر للمدن.
ج-انتشار أحياء لا تتوفر على الشروط والمعايير الصحية
الأساسية للسكن اللائق.
د-الافتقار إلى التجهيزات الأساسية المرتبطة بالصرف الصحي
وجمع النفايات الصلبة.
وعموما فإن هذه
العوامل تحول السكن العشوائي إلى أحد أخطر عوامل اختلال التوازن داخل البيئة
الحضرية بالمغرب. حيث يسمح بتناسل علب إسمنتية تفتقر إلى التهوية الضرورية
والإنارة الطبيعية الكافية، كما تفتقر إلى كل شروط السكن الصحي، مما يعرض حياة
سكانها لآفات جد خطيرة.
5-مراقبة السلع والمواد
الاستهلاكية:من أحدث مظاهر التلوث، تلوث المواد
والسلع المستهلكة، وهو ما يفرز ظهور حالات تسمم في أوساط المستهلكين. وهذه
الحالات تنتج في غالب الأحيان عن عاملين أساسيين :
انعدام شروط الوقاية الصحية في المحلات التجارية وأماكن عرض وتخزين
السلع الاستهلاكية
ضعف ومناسبتية المراقبة الصحية، من طرف المؤسسات والأجهزة المختصة، على
مواد الاستهلاك وهو ما يعرض حياة المستهلكين للخطر.
ويكفي أن نشير في هذا الباب إلى الكميات التي تضبطها المصالح المختصة في
بعض المناسبات، من المواد الاستهلاكية الفاسدة، والتي انتهت مدة صلاحية استهلاكها،
وتدخل في اغلبها ضمن تجارة التهريب أي ما يعرف في الأوساط الشعبية بــ (سلعة
الشمال) ..
هذه بصفة عامة بعض من عوامل ومظاهر تلوث البيئة الحضرية بالمغرب والتي
تعاني منها المدن المغربية على اختلافها، وقد سقناها على سبيل المثال حتى نتمكن من
إبراز الدور الذي يمكن، بل يجب، أن تلعبه البلديات (المجالس الجماعية الحضرية) في
الحفاض على بيئة مدننا، ومحاربة مظاهر التلوث التي تعاني منها الساكنة الحضرية
ببلادنا.
البلديات
ودورها في حماية البيئ
البلديات في التشريع المغربي : "وحدات ترابية داخلة
في حكم القانون العام، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي". هكذا
يحددها ظهير التنظيم الجماعي الصادر في : 30 شتنبر 1976. يشرف على تسيير الإدارة
البلدية مجلس جماعي منتخب يحدد عدد أعضائه اعتمادا على مقياس عدد السكان.
ويشمل نفوذ هذا المجلس حدود الجماعة التي يحددها التقسيم الإداري لتراب المملكة.
كما يمارس الصلاحيات التي يخولها له ظهير التنظيم السالف الذكر. تعود أول نواة
لإحداث جماعات حضرية في المغرب إلى صدور ظهير 1917، غير أن أول محاولة للتنظيم
الجماعي الحديث تعود إلى تلك الرغبة في إرساء الديمقراطية، التي عبر عنها جلالة
المغفور له محمد الخامس في خطاب 12/11/1956 وقد تبلورت هذه الرغبة من خلال صدور
ظهير 1960 المتعلق بالتنظيم الجماعي والذي أرسى دعائم اللامركزية. وإذا كانت
النصوص التي أنتجتها سلطات الحماية في هذا المجال، يطغى عليها الهاجس الأمني، فإن
المشرع المغربي لم يخرج عن هذا النهج من خلال ظهير 1960، واستمر الأمر على الأقل
إلى حدود 1976، وهو تاريخ صدور تعديل ميثاق الجماعات المحلية، حيث إن ظهير 1976
يعتبر في نظر عدد من المختصين نقطة البداية في التأسيس للبعد التنموي في عمل
الجماعات المحلية ومن ضمنها البلديات. على الرغم من المطالبات التي ظهرت خلال
العقد الأخير،والتي تركز على بعض العيوب التي ظهرت في هذا الميثاق من خلال ما يزيد
عن 20 سنة من الممارسة الجماعية في إطاره.
اختصاصات المجالس البلدية :
تتحدد اختصاصات المجالس الجماعية، وعلى رأسها البلديات،
من خلال الباب الرابع من ظهير 30 شتنبر 1976، ويستهل الفصل 30 منه تحديده
الاختصاصات بالفقرة التالية : "يفصل المجلس بمداولاته في قضايا الجماعة ويتخذ
لهذه الغاية اللازمة ليضمن للجماعة المحلية كامل نموها الاقتصادي والاجتماعي
والثقافي، ويستفيد المجلس من مساعدة الدولة والأشخاص العموميين الآخرين للقيام
بمهمته". ثم يستمر بعد ذلك في سرد هذه الاختصاصات. ورغم أن الفصل 31 يعود
ليحدد عددا من المشاريع، التي لا تكون قرارات المجلس بصددها قابلة للتنفيذ إلا إذا
صادقت عليها السلطة الإدارية العليا، وهو يطرح مشكل الوصاية، فإن استقراء
لائحة الاختصاصات تؤكد توفر البلديات المغربية على صلاحيات واسعة، وسلطات مهمة تمس
كل الشؤون الحياتية للمواطنين. وبغض النظر عن المهام المالية المتعلقة بوضع وتنفيذ
الميزانية، والتدبير المالي في أفق خلق ميزانيات التجهيز، فان بإمكاننا أن نقسم
اختصاصات البلديات إلى ثلاثة أقسام رئيسية كالآتي :
1-الخدمات الإنشائية والعمرانية:تشمل كل ما تقوم به البلدية في مجال تخطيط المدن
وتنظيمها عمرانيا، كشف الطرق، إقامة أبنية ومرافق عامة، تنظيم الساحات
العمومية، إقامة مشاريع ذات منفعة عامة (مثل معامل التخلص من النفايات)...
تعبيد الطرق، إقامة الأرصفة، تنظيم السير، إقامة الحدائق والمنتزهات ...
2-مهمات صحية:أعمال
التنظيف وجمع النفايات والتخلص منها – إحداث وصيانة شبكات تصريف المياه المستعملة-
تأمين ذبح المواشي في ظروف صحية- مراقبة المأكولات ومحلات بيع المواد الغذائية
(اللحوم، الأسماك، الخضر، المقاهي ...) – المحافظة على النظافة والصحة العامة- منع
رمي الأزبال على الأرصفة والطرقات والأماكن العامة....
3-المهمات الاجتماعية والثقافية والرياضية:تشمل مساهمة البلدية في دعم مختلف الأنشطة التي تقوم بها
الجمعيات والنوادي عن طريق تقديم المساعدة والدعم المالي لضمان استمرار هذه
الأنشطة (اجتماعية، ثقافية، رياضية)، وان تقوم البلديات بتنظيم هذه الأنشطة وإيجاد
البنيات والتجهيزات الضرورية لها : كدور الشباب –المسارح والمركبات الثقافية
والمكتبات العمومية ...
وعموما إذا تأملنا هذه الاختصاصات فإننا نجدها تدخل في
إطار المحافظة على البيئة العامة سواء منها البيئة الطبيعية أو الاجتماعية أو
الثقافية. وتعتبر الأجهزة الإدارية والتقنية البلدية وخاصة منها :
1-القسم التقني البلدي.
2-مكتب حفظ الصحة البلدية.
3-قسم التعمير والبناء.
أكثر أجهزة
البلدية ارتباطا بموضوعنا.
1-فالأول من واجبه أن يكفل الحفاظ على التجهيزات العامة
ويسهر على تنظيم نقل النفايات وتخليص المدينة منها والإشراف على صيانة ومراقبة
إحداث شبكات الصرف الصحي.... ومراقبة المؤسسات الإنتاجية المتواجدة بتراب البلدية،
ومدى تلويثها للبيئة وإلزامها باحترام قواعد النظافة والصحة والسلامة ....
2-أما مكتب حفظ الصحة : فمن واجبه الحفاظ على الصحة العامة
بمراقبة مدى توفر شروط الصحة في البنايات السكنية،والصناعية والمهنية، ومن واجبه
كذلك دراسة تأثير النفايات الصلبة والسائلة على صحة السكان وبيئة المدينة ....
وتنبيه المنتخبين إلى مختلف الأخطار الناجمة عنها، ومراقبة المأكولات
والسلع، ومحلات الخدمات العامة : كالحمامات، وقاعات السينما، ووسائل النقل العمومي
...
3-أما قسم التعمير والبناء فله يوكل أمر الإشراف على تنظيم
المجال العمراني للمدينة ومتابعة ومراقبة توفر الشروط التقنية في البنايات المنجزة
ومدى احترامها لقوانين التعمير ولتصميم التهيئة. ومن مهامه أيضا الحفاظ على
المساحات الخضراء والساحات العمومية والمنتزهات كما هو منصوص عليها في تصميم
التهيئة وعدم السماح بتفويتها أو بنائها ...
المشاكل التي تواجهها البلديات في القيام بدورها
ورغم توفر البنيات الإدارية والتقنية فإن الأغلبية
الساحقة من البلديات المغربية لا تقوم كما يجب بضمان الحفاظ على توازن البيئة
الحضارية، مما يجعل المدن المغربية معرضة بشكل كبير للتلوث ولاختلال التوازن
البيئي. ويعود ذلك إلى أسباب عديدة ومتشابكة يمكن أن نميز فيها بين أسباب ذاتية
وأخرى موضوعية :
1-الأسباب الذاتية:وتتمثل
أهمها في ما يلي :
أ-غياب الوعي البيئي لدى عامة السكان وكذلك المنتخبين وهو
ما يعكسه غياب لجان متخصصة في الحفاظ على البيئة لدى أغلب المجالس المنتخبة، وقصور
عملها إن وجدت... وهذا يعكس المحيط
العام حيث أن الوعي البيئي حديث في المغرب ذلك أن أول جمعية مختصة لم تظهر إلا سنة
1991 ولم تظهر في حكومة المغرب وزارة للبيئة إلا مؤخرا أي سنة 1995.
ب-طبيعة العلاقات الانتخابية في المغرب التي تجعل المنتخبين يهتمون بتلبية
الحاجيات المباشرة للسكان الناخبين. في حين يتم تغيب المواضيع التي لها تأثير غير
مباشر، أو على الأقل لا يتوفر الوعي بخطورتها بحدة.
ج-كما أن وضع المقاييس المالية والاستثمارات كأساس لتقييم التجارب الجماعية، يجعل
المنتخبين يهتمون أكثر باقتصاد النفقات التي تبدو لهم زائدة، رغم أنها قد تكون لها
علاقة بمواضيع حيوية، إلا أنها لا تحقق الاستفادة المباشرة والآنية للناخبين
والمنتخبين، كما تجعل هؤلاء يتهافتون على تقديم التسهيلات للمستثمرين، دون وضع
شروط تضمن الحفاظ على البيئة والمحيط البيئي... لما قد تشكله من أعباء على هؤلاء
المستثمرين....
2-وهناك عوامل موضوعية: تتمثل في افتقار أغلب البلديات
إلى:
Øتقنيين
مختصين في مراقبة التلوث بمختلف أشكاله والعمل على محاربته.
Øغياب
تصاميم التهيئة، مما يجعل مراقبة البلديات للنمو العمراني، غير ذات موضوع، كما
تجعلها غير قادرة على توجيهه.
Øوجود
فراغ قانوني في ما يتعلق بحماية البيئة، مما يجعل عتبة التلوث المسموح بها غير
محددة ويسمح للصناعيين بمعدلات مرتفعة.
Øصعوبة
التأقلم في اغلب المناطق المغربية مع القوانين الجديدة للتعمير.
Øافتقار
البلديات إلى تصاميم التصريف التي بإمكانها إن تمكن من مراقبة جيدة لحالة شبكات
التصريف والعمل على صيانتها.
Øعتاقة
الوسائل المستعملة والتقنيات المستخدمة في جمع وإتلاف النفايات الصلبة. حيث تعمد
أغلب البلديات إلى إحراقها مما يسبب تلوثا حادا في الجو، ويؤدي إلى نقل الروائح
الكريهة وإعادتها إلى المنازل. في حين ينظر إلى معامل معالجة النفايات كاستثمارات
زائدة يستحسن تجنبها.
Øانعدام
المختبرات والتجهيزات الأساسية لدى مكاتب الصحة البلدية مما يجعلها لا تقوم بدورها
في المراقبة الصحية كما ينبغي ....
مقترحات
عملية
وعليه فإن تجنب هذه المشاكل يقتضي أن تهتم البلديات في
مرحلة أولى باتخاذ إجراءات أساسية يمكن تحديد بعضها كالآتي:
Øالعمل
على تزويد المدن بالمخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة، مادام
القرار بإحداث هذه التصاميم يخوله القانون للبلديات، ومادامت المصادقة على
هذه التصاميم أو تعديلها بعد إنجازها من طرف المصالح التقنية المختصة، هي من
اختصاص المجالس الجماعية.
Øالعمل
على إنجاز الدراسات اللازمة حول تصريف المياه المستعملة، وإتلاف النفايات الصلبة،
أو العمل على استغلالها إما عبر إعادة التصنيع، أو استغلالها في إنتاج الطاقة.
خاصة وأن التجارب أكدت فعالية هذه العملية في تخفيف الضغط على المواد الأولية،
وتوفير مصادر إضافية للطاقة، فضلا عن المردودية الاقتصادية لمثل هذه المشاريع، وهو
ما تأكد من خلال التجارب التي قامت بها بعض البلديات في بلد نامي كالسنغال مثلا.
Øتكليف
الشركات الخاصة بهذا القطاع، خاصة وأن شركات متخصصة بدأت تظهر بالمغرب.
Øإحداث
محطات لتصفية المياه المستعملة من أجل إعادة استعمالها في سقي المساحات الخضراء.
والعمل على منع استعمال المياه الملوثة (غير المعالجة) لأغراض زراعية كما يحدث في
عدد من البلديات ومن ضمنها بلدية تارودانت؛ وليس بخاف على أحد مدى الخطورة التي
يشكلها هذا العمل.
Øإنجاز
تصاميم التصريف كما نص على ذلك توصيات المناظرة السادسة للجماعات المحلية.
Øإقامة
وتجهيز المختبرات حتى تتمكن الأقسام الصحية من القيام بدورها.
Øالإكثار
من المنتزهات والحدائق والمساحات الخضراء لإعادة التوازن بين المساحات
المبنية والأحياء الوظيفية.
Øوفوق
كل هذا وذاك ضرورة الاهتمام بتكوين الأطر البشرية التقنية المختصة في مراقبة
التلوث ومحاربته.
Øالعمل
على نشر الوعي البيئي عن طريق تنظيم المعارض والندوات وتعليق الملصقات وتنظيم
المهرجانات والتظاهرات حول هذا الموضوع.
Øتحديد
عتبات التلوث ووضع شروط وقائية ملزمة للمستثمرين الصناعيين.
Øالعمل
على تهيئ الوعاء القانوني المحلي واتخاذ كافة الإجراءات الزجرية الكفيلة بردع كل
من يساهم متعمدا في تلويث وتدمير البيئة الحضرية.
خاتمة
وعموما فإننا
إذا تأملنا العوائق التي تحد من فعاليات البلديات في القيام بدورها في حماية
البيئة، سواء منها العوائق الذاتية أو الموضوعية، فإنها في النهاية ترتبط بمشكل
الوعي البيئي لدى الناخبين والمنتخبين. وهي مسؤولية يتحملها الجميع وتتحملها
الدولة بصفة عامة بمؤسساتها وأجهزتها وهيآتها المنتخبة، وأحزابها السياسية
والمجتمع المدني بصفة عامة. حيث أن التغلب على هذا المشكل (مشكل تلوث البيئة بصفة
عامة والبيئة الحضرية على الخصوص) لا يرتبط فقط بتوفير الوسائل المادية والتقنية
لمحاربة التلوث، وإنما يرتبط بضرورة توعية المواطن عبر مختلف المؤسسات التربوية
والإعلامية لأخطار تلوث البيئة، وعوامل هذا التلوث، وطرق التخفيف منه، ووسائل
محاربته.